فصل: حكمه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.أقسامه:

الصيام قسمان: فرض، وتطوع.

.والفرض ينقسم ثلاثة أقسام:

1- صوم رمضان.
2- صوم الكفارات.
3- صوم النذر.
والكلام هنا ينحصر في صوم رمضان، وفي صوم التطوع.
أما بقية الاقسام، فتأتي في مواضعها.

.صوم رمضان:

.حكمه:

صوم رمضان واجب بالكتاب، والسنة والاجماع.
فأما الكتاب: فقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} وقال: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه}.
وأما السنة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان وحج البيت».
وفي حديث طلحة بن عبيد الله، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله أخبرني عما فرض الله علي من الصيام؟ قال: شهر رمضان. قال: هل علي غيره؟ قال: لا. إلا أن تطوع».
وأجمعت الأمة: على وجوب صيام رمضان.
وأنه أحد أركان الإسلام، التي علمت من الدين بالضرورة، وأن منكره كافر مرتد عن الإسلام.
وكانت فرضيته يوم الاثنين، لليلتين خلتا من شعبان، من السنة الثانية من الهجرة.

.فضل شهر رمضان وفضل العمل فيه:

1- عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما حضر رمضان «قد جاءكم شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم» رواه أحمد، والنسائي، والبيهقي.
2- وعن عرفجة قال: كنت عند عتبة بن فرقد وهو يحدث عن رمضان قال: فدخل علينا رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلما رآه عتبة هابه، فسكت، قال: فحدث عن رمضان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في رمضان، «تغلق أبواب النار وتفتح أبواب الجنة، وتصفد فيه الشياطين، قال: وينادي فيه ملك: يا باغي الخير أبشر، ويا باغي الشر أقصر، حتى ينقضي رمضان.» رواه أحمد، والنسائي وسنده جيد.
3- وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر». رواه مسلم.
4- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان وعرف حدوده، وتحفظ مما كان ينبغي أن يتحفظ منه كفر ما قبله» رواه أحمد، والبيهقي، بسند جيد.
5- وعن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه أحمد، وأصحاب السنن.

.الترهيب من الفطر في رمضان:

1- عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عرى الإسلام، وقواعد الدين ثلاثة، عليهن أسس الإسلام، من ترك واحدة منهن، فهو بها كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان» رواه أبو يعلى، والديلمي، وصححه الذهبي.
2- وعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أفطر يوما من رمضان، في غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه صيام الدهر كله، وإن صامه» رواه أبو داود، وابن ماجه، والترمذي، وقال البخاري: ويذكر عن أبي هريرة رفعه: «من أفطر يوما من رمضان، من غير عذر، ولا مرض، لا يقضه صوم الدهر، وإن صامه» وبه قال ابن مسعود.
قال الذهبي: وعند المؤمنين مقرر: أن من ترك صوم رمضان بلا مرض، أنه شر من الزاني، ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه، ويظنون به الزندقة، والانحلال.

.بم يثبت الشهر:

يثبت شهر رمضان برؤية الهلال، ولو من واحد عدل أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما.
1- فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام، وأمر الناس بصيامه» رواه أبو داود، والحاكم، وابن حبان، وصححاه.
2- وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما» رواه البخاري ومسلم..قال الترمذي: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، قالوا: تقبل شهادة رجل واحد، في الصيام، وبه يقول ابن المبارك والشافعي، وأحمد.
وقال النووي: وهو الأصح.
وأما هلال شوال، فيثبت بإكمال عدة رمضان ثلاثين يوماو لا تقبل فيه شهادة العدل الواحد، عند عامة الفقهاء.
واشترطوا أن يشهد على رؤيته، اثنان ذوا عدل، إلا أبا ثور فإنه لم يفرق في ذلك بين هلال شوال، وهلال رمضان، وقال: يقبل فيهما شهادة الواحد العدل.
قال ابن رشد: ومذهب أبي بكر بن المنذر، هو مذهب أبي ثور، وأحسبه مذهب أهل الظاهر.
وقد احتج أبو بكربن المنذر، بانعقاد الاجماع على وجوب الفطر، والإمساك عن الأكل، بقول واحد، فوجب أن يكون الأمر كذلك، في دخول الشهر وخروجه، إذ كلاهما علامة، تفصل زمان الفطر من زمان الصوم.
وقال الشوكاني: وإذا لم يرد ما يدل على اعتبار الاثنين في شهادة الافطار من الادلة الصحيحة، فالظاهر أنه يكفي فيه قياسا على الاكتفاء به في الصوم.
وأيضا، التعبد بقبول خبر الواحد، يدل على قبوله في كل موضع، إلا ما ورد الدليل بتخصيصه، بعدم التعبد فيه بخبر الواحد، كالشهادة على الأموال ونحوها، فالظاهر ما ذهب إليه أبو ثور.

.اختلاف المطالع:

ذهب الجمهور: إلى أنه لا عبرة باختلاف المطالع.
فمتى رأى الهلال أهل بلد، وجب الصوم على جميع البلاد لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «صوموا لرؤيته، وافطروا لرؤيته».
وهو خطاب عام لجميع الأمة فمن رآه منهم في أي مكان كان ذلك رؤية لهم جميعا.
وذهب عكرمة، والقاسم بن محمد، وسالم، وإسحاق، والصحيح عند الأحناف، والمختار عند الشافعية: أنه يعتبر لاهل كل بلد رؤيتهم، ولا يلزمهم رؤية غيرهم.
لما رواه كريب قال: قدمت الشام، واستهل علي هلال رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة.
ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني ابن عباس - ثم ذكر الهلال - فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا، وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين، أو نراه، فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا...هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد، ومسلم والترمذي. وقال الترمذي: حسن، صحيح، غريب، والعمل على هذا الحديث، عند أهل العلم، أن لكل بلد رؤيتهم.
وفي فتح العلام شرح بلوغ المرام: الاقرب لزوم أهل بلد الرؤية، وما يتصل بها من الجهات التي على سمتها.

.من رأى الهلال وحده:

اتفقت أئمة الفقه على أن من أبصر هلال الصوم وحده أن يصوم.
وخالف عطاء فقال: لا يصوم إلا برؤية غيره معه.
واختلفوا في رؤيته هلال شوال، والحق أنه يفطر كما قال الشافعي، وأبو ثور.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوجب الصوم والفطر للرؤية، والرؤية حاصلة له يقينا، وهذا أمر مداره الحس، فلا يحتاج إلى مشاركة.

.أركان الصوم:

للصيام ركنان تتركب منهما حقيقته:

.1- الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس:

لقول الله تعالى: {فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}.
والمراد بالخيط الابيض، والخيط الاسود بياض النهار وسواد الليل.
لما رواه البخاري ومسلم: أن عدي بن حاتم قال: لما نزلت {حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود} عمدت إلى عقال أسود، وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل، فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: «إنما ذلك سواد الليل، وبياض النهار».

.2- النية:

لقول الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الاعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».
ولابد أن تكون قبل الفجر، من كل ليلة من ليالي شهر رمضان.
لحديث حفصة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر، فلاصيام له» رواه أحمد وأصحاب السنن، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان.
وتصح في أي جزء من أجزاء الليل، ولا يشترط التلفظ بها فإنها عمل قلبي، لادخل للسان فيه، فإن حقيقتها القصد إلى الفعل امتثالالأمر الله تعالى، وطلبا لوجهه الكريم.
فمن تسحر بالليل، قاصدا الصيام، تقربا إلى الله بهذا الإمساك، فهو ناو.
ومن عزم على الكف عن المفطرات، أثناء النهار، مخلصا لله، فهو ناو كذلك وإن لم يتسحر.
وقال كثير من الفقهاء: إن نية صيام التطوع تجزئ من النهار، إن لم يكن قد طعم.
قالت عائشة: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: «هل عندكم شئ؟ قلنا: لا قال: فإني صائم». رواه مسلم، وأبو داود.
واشترط الأحناف أن تقع النية قبل الزوال وهذا هو المشهور من قولي الشافعي.
وظاهر قولي ابن مسعود، وأحمد: أنها تجزئ قبل الزوال، وبعده، على السواء.

.على من يجب:

أجمع العلماء: على أنه يجب الصيام على المسلم العاقل البالغ، الصحيح المقيم، ويجب أن تكون المرأة طاهرة من الحيض، والنفاس.
فلا صيام على كافر، ولا مجنون، ولاصبي ولا مريض، ولا مسافر، ولا حائض، ولانفساء، ولاشيخ كبير، ولا حامل، ولا مرضع.
وبعض هؤلاء لا صيام عليهم مطلقا، كالكافر، والمجنون، وبعضهم يطلب من وليه أن يأمره بالصيام، وبعضهم يجب عليه الفطر والقضاء، وبعضهم يرخص لهم في الفطر وتجب عليه الفدية، وهذا بيان كل على حدة.

.صيام الكافر والمجنون:

الصيام عبادة إسلامية، فلا تجب على غير المسلمين، والجنون غير مكلف لأنه مسلوب العقل الذي هو مناط التكاليف، وفي حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم». رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي.

.صيام الصبي:

والصبي - وإن كان الصيام غير واجب عليه - إلا أنه ينبغي لولي أمره أن يأمره به، ليعتاده من الصغر، مادام مستطيعا له، وقادرا عليه.
فعن الربيع بنت معوذ قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم - صبيحة عاشوراء - إلى قرى الأنصار: من كان أصبح صائما فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرا فليصم بقية يومه، فكنا نصومه بعد ذلك، ونصوم صبياننا الصغار منهم، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم من الطعام أعطيناه إياه، حتى يكون عند الافطار رواه البخاري، ومسلم.

.من يرخص لهم في الفطر وتجب عليهم الفدية:

يرخص الفطر للشيخ الكبير والمرأة العجوز، والمريض الذي لا يرجى برؤه، وأصحاب الاعمال الشاقة، الذين لا يجدون متسعا من الرزق، غير ما يزاولونه من أعمال.
هؤلاء جميعا يرخص لهم في الفطر، إذا كان الصيام يجهدهم، ويشف عليهم مشقة شديدة في جميع فصول السنة.
وعليهم أن يطعموا عن كل يوم مسكينا، وقدر ذلك بنحو صاع أو نصف صاع، أو مد، على خلاف في ذلك، ولم يأت من السنة ما يدل على التقدير.
قال ابن عباس: رخص للشيخ الكبير أن يفطر: ويطعم عن كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه رواه الدارقطني والحاكم وصححاه.
وروى البخاري عن عطاء: أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} قال ابن عباس ليست بمنسوخة، هي للشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يتسطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينا.
والمريض الذي لا يرجى برؤه، ويجهده الصوم، مثل الشيخ الكبير، ولافرق.
وكذلك العمال الذين يضطلعون بمشاق الاعمال.
قال الشيخ محمد عبده: فالمراد بمن {يطيقونه} في الآية، الشيوخ الضعفاء والزمني ونحوهم كالفعلة الذين جعل الله معاشهم الدائم بالاشغال الشاقة كاستخراج الفحم الحجري من مناجمه.
ومنهم المجرمون الذين يحكم عليهم بالاشغال الشاقة المؤبدة إذا شق الصيام عليهم، بالفعل، وكانوا يملكون الفدية.
والحبلى، والمرضع - إذا خافتا على أنفسهما، أو أولادهما أفطرتا - وعليهما الفدية، ولاقضاء عليهما، عند ابن عمر، وابن عباس.
روى أبو داود عن عكرمة، أن ابن عباس قال، في قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه}، كانت رخصة للشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، وهما يطيقان الصيام، أن يفطرا، ويطعما مكان كل يوم مسكينا، والحبلى، والمرضع -إذا خافتا يعني على أولادهما- أفطرتا، وأطعمتا. رواه البزار، وزاد في آخره: وكان ابن عباس يقول لام ولد له حبلى: أنت بمنزلة الذي لا يطيقه، فعليك الفداء، ولاقضاء عليك. وصحح الدارقطني إسناده.
وعن نافع أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها فقال: تفطر، وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة رواه مالك، والبيهقي.
وفي الحديث: «إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحبلى والمرضع الصوم».
وعند الأحناف وأبي عبيد وأبي ثور: أنهما يقضيان فقط، ولا إطعام عليهما.
وعند أحمد، والشافعي: أنهما - إن خافتا على الولد فقط وأفطرتا - فعليهما القضاء والفدية، وإن خافتا على أنفسهما فقط، أو على أنفسهما وعلى ولدهما، فعليهما القضاء، لا غير.